8/12/2013

مقدمة في الاقتصاد القياسي

مقدمة في الاقتصاد القياسي
الاقتصاد القياسي econometrics فرع من فروع علم الاقتصاد يعنى بتحليل الظواهر الاقتصادية الواقعية تحليلاً كمياً، وذلك باستخدام أساليب الاستقراء الإحصائي المناسبة. أي إنه علم استعمال طرائق الاستقراء والاستدلال الإحصائي لكشف القوانين الاقتصادية الموضوعية وتحديد فعلها تحديداً كمياً.
فالتحليل الكمي للظواهر الاقتصادية هو محاولة للتحقق من العلاقات الاقتصادية والتأكد من منطقيتها في تمثيل الواقع المعقد الذي تعبر عنه النظرية الاقتصادية في صيغة فروض. ويعتمد الاقتصاد القياسي في قياس العلاقات الاقتصادية وتحليلها على دمج النظرية الاقتصادية والرياضيات والأساليب الإحصائية في نموذج متكامل، وذلك بهدف تقويم معالم ذلك النموذج ثم اختبار الفروض حول ظاهرة اقتصادية معينة، وأخيراً التنبؤ بقيم تلك الظاهرة.
من الواضح أن علم الاقتصاد القياسي يعتمد على ثلاثة علوم هي:
 1ـ علم الاقتصاد، وهذا أمر طبيعي، إذ إن الاقتصاد القياسي هو أحد فروع هذا العلم. فالنظرية الاقتصادية تشير عموماً إلى وجود علاقات معينة بين متغيرات اقتصادية كالعلاقة بين الكمية المطلوبة من سلعة معينة وسعرها وأسعار السلع البديلة مثلاً، وتحتاج عملية قياس تلك العلاقات إلى اختيار نماذج قياسية لتمثيلها.
 2ـ الرياضيات بما توفره من نماذج رياضية يختار الاقتصاد القياسي ما يناسب منها وفق أسس معينة للوصول إلى نموذج لتمثيل العلاقات بين المتغيرات الاقتصادية المدروسة. ومن الطبيعي أن يكون بعض تلك النماذج أقل جودة في التعبير عن الواقع المعقد من بعضها الآخر.
 3ـ الإحصاء بما يوفره من أدوات أساسية في القياس كالتي تتعلق بطرائق الاستدلال الإحصائي مثلاً.
إن علم الاقتصاد القياسي وفقاً لتعريف عدد من الأعلام الرواد في هذا المجال كلورنس كلاين L.Klein وإدموند مالينفو E.Malinvaud، هو علم استعمال طرائق الاستقراء والاستدلال الإحصائيين، ولاسيما نظريات الاحتمال والتنبؤ والتقدير.
تاريخ الاقتصاد القياسي
يعدّ علم الاقتصاد القياسي علماً حديثاً نسبياً إذا ما قورن بالعلوم الاقتصادية الأخرى، فعلى الرغم من المحاولات التي ظهرت في القرن التاسع عشر والتي كانت ذات طابع اقتصادي قياسي، كعمل الإحصائي الألماني أرنست إنغل (1821-1896)E.Engel  الذي وضع قوانينه الخاصة بالدخل والاستهلاك في ضوء بيانات ميزانية الأسرة، استعمل مصطلح الاقتصاد القياسي  أول مرة عام 1926 من قبل الاقتصادي النروجي فريش Frisch.
في عام 1919 نشر الاقتصادي الأمريكي بيرسون W.M.Pearson طريقته الخاصة بتحليل الدورات الاقتصادية التي طبقت في تحليل هذه الدورات في عدد من البلدان الرأسمالية، كما طبقت في الاتحاد السوفييتي سابقاً أيضاً في إنجاز عدد من الأبحاث التي وضعت في خدمة سياسة الدولة السوفييتية في مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. وتعد محاولات تقدير دوال منحنيات العرض والطلب للمنتجات الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين محاولات أولى أيضاً في مجال تطبيق مبادئ الاقتصاد القياسي.
أسس بعض واضعي الفكر الاقتصادي الأوائل من أمثال مور H.More، وشولتز H.Schultz، وفريش وستون R.Stone الجمعية الدولية للاقتصاد القياسي International Econometrics Association في عام 1930. ثم توسع تطبيق مبادئ الاقتصاد القياسي بعد الحرب العالمية الثانية، وأخذت أنشطة هذا العلم تشمل تقديرات لمعالم أو لثوابت نماذج اقتصادية مؤلفة من عدة معادلات. ومنذ ذلك التاريخ والاقتصاد القياسي يستخدم أداة فعالة في حل المعضلات الاقتصادية وفي عمليات التخطيط الاقتصادي. وبدأ تطبيق مبادئ هذا العلم بالانتشار حديثاً في بلدان العالم الثالث. وساعد على انتشار طرائق الاقتصاد القياسي عاملان اثنان هما:
 1ـ توافر الإحصاءات الاقتصادية بكميات أكبر وبدقة أفضل. وهي تؤلف المادة الأولية للبحث العلمي في الاقتصاد القياسي.
 2ـ التطور الكبير والسريع في مجال الحاسبات الإلكترونية الذي مكن من التوسع في النماذج الاقتصادية لتشمل عدداً كبيراً من المتغيرات بعد أن كان ذلك مقتصراً على التحليل النظري. فقد أصبح بالإمكان اليوم تقدير ثوابت نموذج مؤلف من عدة مئات من المعادلات واختبار صلاحية النماذج الاقتصادية النظرية ومعرفة مدى ملاءمتها للواقع المعقد.
مهام الاقتصاد القياسي
تتمثل مهام الاقتصاد القياسي عامة بتحقيق ما يلي:
 1ـ تحديد النموذج الرياضي المناسب لتمثيل العلاقة أو العلاقات القائمة بين المتغيرات الاقتصادية المدروسة، إذ يجب على الباحث في هذه المرحلة وضع فروض النظرية الاقتصادية في نموذج رياضي عشوائي.
2ـ تقدير معاملات أو ثوابت النموذج الرياضي المطبق. تبدأ هذه المهمة بجمع الإحصاءات الاقتصادية المناسبة بالدقة المطلوبة حول ظاهرة أو ظواهر يراد دراستها وتنتهي باستخدام الأساليب الإحصائية المناسبة لتقدير معالم النموذج الذي اختاره الباحث لتمثيل العلاقات بين المتغيرات.

 3ـ اختبار النموذج الرياضي العشوائي المطبق لمعرفة ما إذا كان يمثل فعلاً حقيقة الواقع المدروس أم أنه يجب على الباحث اختيار نموذج آخر أكثر واقعية. ويعتمد الباحث في اختيار النموذج المناسب على معايير اقتصادية، إذ من المفترض أن تنسجم قيم المعاملات المقررة في النموذج في طبيعتها وقيمها النسبية مع ما هو متوقع في إطار النظرية والفروض الاقتصادية التي تحكم الظواهر المدروسة. وكذلك من اختبارات فروض النموذج نفسها، ولاسيما تلك المتصلة بالحد العشوائي لمعرفة مدى انسجامها مع الواقع المدروس.